جلست بجوار النهر قرب أشجار غابة
صغيرة لم يتبقى منها إلا القليل بعد الزحف العمراني، فتحت شريط حياتي ودائما ما
اخف من فتحه ،شريط مليء بالأحزان والآلام ،تذكرت كل ما
مر علي منذ الصغر إلى أن أصبحت مراهقا وحتى بداية شبابي،إلى أن أصل إلى الوقت الذي
أعيشه الآن . خيبات أمل وأحزان أكثر من لحظات الفرح والسرور المعدودة على رؤوس
الأصابع.
ربما أتيت في زمن ليس بزماني، ربما
هذا قدري، وربما قدري أحسن من الآخرين لكن هذا ما هو مكتوب في دفتر ذكريات أخاف أن أفتحه لأنه يناجيني ويبكي معي، ويربت على كتفي
يواسيني ويبحث لي عن حلول، لكن ما سجل لا
يمكنه أن يمحى ولا يمكن أن نرجع بالزمان كي نغير أحزاننا وآلامنا. وحتى ضحكاتي
وابتساماتي فهي لحضية لأهرب من كثرت السؤال ، هي بسمات في وجه أشخاص لا ذنب لهم
فيما أعاني.
أرى
انتصاراتي القليلة كأنها فتوحات وغزوات فتوحات الرومان والإغريق ،فتوحات من
عهد العثمانيين، فتوحات لن تعود في زماننا الحالي ، انتصارات مرت بسرعة مثلما أتت
بسرعة وذهبت أدراج الرياح .
أما ألامي فما
زالت تسكنني وتعيش بدواخلي ،ترعرعت وشبت معي نسجت خيوط عنكبوت حولي ولا تريد آن
أغادرها أو تغادرني ،أصبحت تغار علي مثل حبيبة تهيم حب وعشقا بمحبوبها، التصقت بي
وأبت أن تمنحني مساحة من الحرية ،فصار التخلص منها كانه معجزة أو تحقيق نصر على
العدو.
أردت أن اكتب
تفاصيل حياتي الشخصية على مذكرة،فانتفض ورقها وبداء بمناجاتي " أكل هذا الألم
يعتصر قلبك وكل هذه الأحزان تحملها وما زلت قادرا على التنفس والعيش،ولماذا تريد
أن تعصر قلبك على صفحات أوراقي، الم ترأف لحالي وتحملني ما لن اقدر على
حمله"،
فناجيتها أنت
ستستقبلنه فقط على أوراقك، أما أنا فهذا الحزن والألم يعشش في صدري ويعتصر قلبي،
يعيش معي كل حياتي أراه في أحلامي، أراه في تأملاتي، لا يفارقني ولا يريد أن
ينساني.
أما القلم فعندما بداء
بالكتابة عوض أن يخط الكلمات بالمداد ،بداء ينزف دما احمر قاني عاتبي ولامني
وقال"لماذا تحملني ما لا استطيع أن أخطه، لماذا تعاملني بسادية وتجعلني أداة
لكتابة همومك" وعوض أن يخط سطور على صفحات الأوراق ،بدا بالصراخ والعويل ووصل
صداه لأبعد مدى ،فسمعته العصافير على الشجر وطارت وحلقت مبتعدة من هول الصراخ
كأنها سمعت دوي الرصاص .فمساحة الألم والحزن اكبر من أن يحتملها ضعاف القلوب
والمرضى لن يتحملها الحيوان و الطير فبالأحرى الإنسان.
هذا غيض
من فيض فلو واصلت السرد والبوح فلن انتهي ولن أتوقف ولن تسعني دفاتر وكراسات،
تربطني علاقة حب وطيدة بالأم كلانا يعيش في الأخر كلانا تجانسا مع الأخر وأصبح
يحتاجه مثل احتياج المريض للطبيب، مثل احتياج الطفل لثدي أمه.
سيتوقف بوحي هنا
لان الأم والأحزان مازالت تسكنني مازالت ترفض أن تغادرني، لم ترد أن تشارك
في المغادرة الطوعية فهي تحب وضيفتها وتتماها معها، لم تصل إلى التقاعد كي ارتاح
منها، ومازلت داخل النفق ولم أرى بعد شعاع الضوء في نهايته كي يعطي آملا في
مستقبل مشرق، لم يحن وقته بعد........
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire